نشأة شمس الزمان قدس الله سره

ولادته: ولد حضرة الشيخ طارق بن محمد السعدي _ _ في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، من والدين صالحين: كان والده _ المجاهد في سبيل الله منذ نعومة أظفاره _ مريداً عند حضرة الشيخ الفقيه الصوفي إبراهيم غنيم رضي الله عنه، ثم تزوّج ابنته، وجاوره في المسكن، ورزقه الله بخمسة أطفال ( ثلاثة ذكور وفتاتين )، منهم حضرة الشيخ حفظه الله، ثم بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان في عام (1982 م) انتقل حضرة الشيخ إبراهيم غنيم للسكن في شمال لبنان، وانتقلت العائلة الشريفة للسكن في مدينة صيدا.

ويذكر والده الكريم: أن حضرة الشيخ محمد جنيد العُمري  _ شيخ حضرة الشيخ إبراهيم غنيم _ رضي الله عنهما كان يدنيه منه، ثم بشره ببشارة عظيمة له في السلوك إلى الله، ولم يعين له صاحبها.

قال:" حتى _ لعظيم ما رافق البشرى من أحوال الشيخ رحمه الله _، ظننتها لي شخصياً، وجاء الشيطان ليتلاعب بي وأنا في ثغور الجهاد مرَّةً من جهة نسبي واسمي في مسألة المهدي! ولكن الله سلَّم، ثم إني رزقت بولدي طارق، والذي غمرت محبته قلبي من ساعة الحمل الأولى به، ثم _ ولله الحمد _ قد شهدت تلك البشارة فيه: بما مَنَّ الله عليه به من إرث جده رسول الله صلى الله عليه وسلم في علوم الشريعة والحقيقة والدعوة إلى الله تعالى "انتهى

طفولته: ثم ترعرع بين هذه العائلة الكريمة، فلما بلغ الثامنة من عمره رغب في طلب العلم الشرعي، حتى لقّب بالشيخ لشدة إصراره، غير أن الظروف لم تسمح لتغير نظام التعليم الأكاديمي، فظل الأمرُ مرجواً في نفسه الطيبة، وهو يتابع دراسته الأكاديمية البسيطة.

ويذكر حضرة الشيخ رضي الله عنه:" أنه لما كان في نحو العاشرة من عمره الشريف، رأى في المنام أنه يقف على قمة جبل عالٍ بلا ربع ولا خيَمٍ، في حضرة شريفة لا مثيل لها في هذه الدنيا، وكان يخاطب الله تعالى وقد تجلى له "انتهى

قال حضرة الشيخ رضي الله عنه:" ثم إني لما مَنَّ الله تعالى عليَّ بالسّلوك، وأخذ بيدي في التقَرّب إليه، تحقّقت من تلك الرؤيا، وشاهدت ذلك المقام في الأخفى، وإنما كانت الإشارة إليه بتلك الرؤيا لحكمة نُبِّهتُ لها في حينها بفضل الله تعالى، بل أقِمْت في ذلك المقام ولم يُتجاوز بي قدماً حتى تمّ أمر تلك الحكمة، فالحمد لله تعالى حمداً طيباً مباركاً فيه "انتهى

ثم مرت السنون وتعاقبت، وحدثت خلالها أحداث دامية في لبنان، أحدثت في مسار حضرة الشيخ رضي الله عنه حوادث يصفها بقوله:" كانت فترة تخللها السوء، لكن حفظني الله تعالى فيها من التلبس بالكبائر، حتى أني لأشرف على الكبيرة فيخلصني الله تعالى منها "اهـ، وهو مع ذلك لم يزل بين الخوف والرجاء، والحضور والغفلة.

وخلال ذلك درس بعض علوم الدنيا وعمل بها، كما عمل في التجارة بسلع مختلفة، وهو اليوم لا زال يعمل في التجارة للكسب؛ قال رضي الله عنه:" فقد أدِّبنا على أن لا نأكل بديننا "انتهى، لكن يساعده فيها بعض المريدين بالأجر والأجرة لعونه على أمور الدعوة.

ثم إن الشيخ _ رضي الله عنه _ قد تزوج من فتاة لبنانية، رزق منها حتى (1426 هـ - 2005 مـ) بستة أطفال ( خمسة صبيان وفتاة )، أكبرهم طه، يليه عمر، ثم نهى، ثم عبد الله، ثم جنيد، ثم سعد الدين ( حفظهم الله على نهج والدهم الشريف ).

ثم تزوج _ رضي الله عنه _ من فتاة فلسطينية في غرة العام (1428 هـ - 2007 مـ)، ورزق منها حتى (1431 هـ - 2010 مـ) بطفلين: حمزة، ثم حسن ( حفظهما الله على نهج والدهما الشريف ).

رحلته في طلب العلم: ثم في غرة القرن الخامس عشر من الهجرة الشريفة، تجلى نور الهداية على قلبه، فأقبل على الله تعالى، وتعرف على رجل صالح _ كان نزيل مدينة صيدا _ شحذ همته معه، ليهاجر بعد ذلك إلى شمال لبنان، حيث سكن جدُّه الشيخُ الفقيه الصوفي إبراهيم غنيم رضي الله عنه _ والذي كان خليفة سرِّ الشيخ محمد جنيد العمري رضي الله عنهما في الطريقة النقشبندية العلية، مجازاً بالمذهب الشافعي السنِّي _، فلازمه حتى أجازه بالمذهب أصولاً وفروعاً، ثم استخلفه في الطريقة.

شاهد الإجازة في " صفحة الإجازات " >>

 

وكان خلال تلك الفترة قد عكف على دراسة الشريعة أكاديمياً في الأرجاء الشمالية بعد استئذان شيخه، فدرس في كافة العلوم الشرعية واختلافات المسلمين، واجتهد في تحصيل مراجع العلوم من خلال شرائها أو الرجوع إلى المكتبات، حتى أنه تصرف بكل حلية زوجته وما يزيد عن حاجته من مال في شراء الكتب الشرعية، كما أنه مع عدم توفر المال الكافي كان يقصد معارض الكتب الإسلامية ويقف فيها الساعات يتصفح الكتب ويطالعها.

ثم، وبعد إجازته واستخلافه، استأذن شيخه رضي الله عنهما في العودة إلى صيدا ( جنوب لبنان ).

وبعد عودته إلى صيدا بِمُدَّة، منَّ الله عليه بالعهد بالطريقة السعدية العلية، بالسندين الكسبي والوهبي في حكاية ذكرها في كتابه " الصفحات النورانية في بيان الطريقة السعدية العلية ".

شاهد الإجازة في " صفحة الإجازات " >>

وفي صيدا: بدأ يتواصل مع أهلها، فخطب ودرّس وحاضَر وعلَّم وأفتى في عدد من المساجد والمجالس والمدارس والمعاهد، كما أنه كتب وصنف وألف في منهج أهل الحق _ على عقيدة الأشاعرة والماتريدية، والفقه السني على المذاهب الأربعة، والتصوف الإسلامي؛ ( الذين هم أهل السنة والجماعة حقاً ) _، وجند نفسه لجهاد المبتدعة: فرد على بدع الزائغين وضلالاتهم التي يروجون لها بين الناس ويدعونهم إليها؛ قال حفظه الله:" وإنما نرد على المبتدعة وبدعهم: وفاء بالعهد وتأدية للأمانة، ونصرة للدين وحفظاً للديانة، ورجاء لهداية المبتدعة لا سعياً للإدانة؛ ثم { إنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء، وهو أعلم بالمهتدين }. وأنا في ذلك: ما وصفه الإمام أبو إسحاق رحمه الله بقوله:" إني لما رأيت قوماً ينتحلون العلم وينتسبون إليه، وهم من جهلهم لا يدرون ما هم عليه! ينسبون إلى أهل الحق ما لا يعتقدونه، ولا في كتاب هم يجدونه، لينفّروا قلوبَ العامّة من المَيلِ إليهم، ويأمرونهم أبداً بتكفيرهم ولعنهم؛ جنّدتُ نفسيِ للإشارةِ إلى بطلان ما يُنْسَب إليهم بما أبينه من اعتقادهم. وأنا مع ذلك مُكرهٌ لا بطل، ولي دعوى لا عمَل، ولكني أقدمتُ على ذلك مع اعترافي بالتقصير، وعلمي بأن نُصَّارَ الحقِّ كثير؛ ليرجع الناظر فيما أبيّنه عن قَبُول قول المُضِلين، ويَدِيْنَ اللهَ عزَّ وجلَّ بقولِ المُوَحِّدينَ المُحَقِّقين "انتهى.

وخلال ذلك كان قد أثقل كاهل المبتدعين في العقد الثاني من القرن الخامس عشر للهجرة، فكمن له مسلحون من المبتدعة في مخيم عين الحلوة صباح يوم مدرسي لأطفاله _ وكانوا في مدارس هناك قبل أن ينقلهم إلى مدارس في مدينة صيدا _ على الطريق الموصل إلى المدرسة، وانهالوا عليه _ مع وجود أطفاله في السيارة _ بما حملوا من وسائل الأذى، حتى أنهم كادوا أن يطلقوا عليه النار، ولكن الله سلم وحفظه مما كانوا يرجون له من الأذى، فالحمد لله رب العالمين.

ويُذكر هنا: أن حضرة الشيخ رضي الله عنه كان ولم يزل يدعو المبتدعة للمناظرة، ومن قبل وافقوا وحُدِّد موعد للمناظرة، ولكنهم تخلفوا، وتكرر ذلك مراراً، ولم يزدهم إلا فراراً.

ومرة حصل جدال بينهم وبين حضرة الشيخ إبراهيم غنيم رضي الله عنه في أحد مساجد صيدا خلال زيارة له، فدخلوا عليه من أبواب! فقال لهم:" جوابكم عند الشيخ طارق _ رضي الله عنه _، فأرسلوا لي في طلبه "، فلبى محبٌّ السؤالَ، واستدعى حضرة الشيخ رضي الله عنه من بيت أقارب له كان يزورهم، فحضر وأقام الحجة على هؤلاء المبتدعة في عدة مسائل، منها: موضع اليدين في القيام بالصلاة، وصفة التحريك في التشهد، حتى أنه لسكينته في حوارهم ازدادوا غيظاً، حتى صار كبيرهم ( أبو عبادة ) يتلوى ويستفز حضرة الشيخ _ رضي الله عنه _ بعبارات: كأن يقول له " ما تقول في هذا يا إمام "، " يا إمام الأئمة "!! وهو مع ذلك يصرخ ويقوم ويقعد!! يحاول بذلك تحويل مجرى الحوار، وصرف انتباه الحاضرين عن الحق الذي أزهق باطلَه، ولكن هيهات .. وإن الأوصاف التي خلعها ذلك المبتدع على حضرة الشيخ رضي الله عنه استهزاءً إنما أنطقه الله بها حجة عليه؛ ولسوف يعلمون.

وفي أواخر العقد الثاني من القرن الخامس عشر للهجرة دخل عالم الانترنت، فتعرف إليه أناس من مشارق الأرض ومغاربها، بين محب ومستفت ومتبرك، ومنهم من شدَّ الرّحال إليه طلباً لصحبته والتسليك على يديه الشريفتين.

وفي أواخر العام (1422 هـ - 2001 مـ) أنشأ " الزاوية النورانية لإحياء أعمال السادة الصوفية رضي الله عنهم " في القسم السفلي من بيته، ثم قام بمساهمةٍ من المريدين بتوسيعها، كما أنشأ مضافة قربها لزواره من الخارج، وذلك في غرة عام (1426 هـ - 2005 مـ).

الشهادات الأكاديمية: ولما كان رضي الله عنه حريصاً على العلوم الدينية وعلى تحصين الدعوة بها، وحريصاً على تعضيد مكاسبه بالأصلح، لم يدع مشاغله تحول دون متابعة الدراسة الأكاديمية وفق التيسير خلال كل تلك السنوات مستعينا بالكتمان حتى آن الأوان:

فكان قد انتسب إلى الجامعة اللبنانية حتى تخرج منها والتحق بالماجستير، ثم نال مع التقدير شهادة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية.

كما أنه في خط شبه متواز التحق بجامعة الأزهر / كلية الشريعة والقانون / في القاهرة، إلى أن نال مع التقدير شهادة الدكتوراه في الشريعة والقانون.

ومما يذكر هنا: أن حضرة الشيخ رضي الله عنه لما سئل عن سبب تحصيل تلك الدرجات العلمية في معرض ( التهنئة ) و ( الاستفسار في كون من يعرفه يدرك أنها لا تفه حقَّه في هذا الزمان )؟

أجاب رضي الله عنه:" أما شهادة الكسب ( الاقتصادية ) فلوعد قطعته على نفسي في طفولتي لوالدتي الكريمة وما لها من علاقة بالدين وكذا من أثر في الاكتساب الدنيوي.

وأما شهادة الدين ( الشريعة والقانون ) فلكم أنتم يا أحبتي؛ فقد باتت الشهادات الأكاديمية معيارا في زمان تقلصت فيه المعايير الأصيلة ( التي قد مَنَّ الله تعالى علي بها من قبل بالتلقي، ويمن عليكم بها كذلك و ) تشخص إليها معايير أكاديمية العصر.

فهنئاً لكم أنتم يا أحبتي .. "اهـ

أوصافه: وقد عرف بمكارم الأخلاق التي ورثها عن جده الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، وعلى رأسها الغيرة على الدين والأمة، كما عرف بالحكمة.

ومن كلامه الشريف:

قال قدس سرُّه:" السَّعادة الدّءوب: في الوقوف على حدود علامِ الغيوب؛ قال الله تعالى: { وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم } "انتهى، وقال:" إنما كُرّم الناس بوسائل التمييز والرشاد: ليعبدوا الله تعالى على بصيرة، ويدركوا خفايا لطائفه، وأسرار حُكمه وحكمته، فيستحوذ عليهم بجماله وكماله، فلا يشتغلون إلا به، ولا ينقطعون إلا إليه "انتهى، وقال:" الطريق إلى المعرفة: عمل العبد بما له وما عليه من حقّ الله تعالى "انتهى، وقال:" ميزان المريد في أفعاله: شَرع الله تعالى، فليس يُعَوّل على رأي النفس، بل لا يعوّل على رأي مطلقاً في مقابلة شرع الله، فما كان من شرع الله تعالى قَبِلَهُ وإلا فَرَدَّهُ، بِغَضّ النَّظر عن حالِه في أداء ذلك الفعل "انتهى

وقال:" التصوف: حضور مع الله وبالله ولله، من الله وإلى الله تعالى "انتهى، وقال:" الصوفي تُرجمان الخِطاب "انتهى، وقال:" الكرامة الكرامة: أن تكون مع الله لله عز وجل "انتهى، وقال:" إن مشيخة سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم تتجلى بخلفائه الذين حملوا السّرّ عنه وعملوا بسنّته، فمن أعرض عنهم ظل أبداً عبد الرسوم، من الحقائق والسّرّ المَصُون محروم "انتهى، وقال:" المُرِيْدُ الصَّادق المُوَفَّق: من عَقِلَ عن الله تعالى قولَه: { فاستقم كما أُمِرت }، ووحيَه: { أن تعبد الله كأنك تراه }، على عذر: { واتقوا الله ما استطعتم }، و{ لا يكلف الله نفساً إلا وسعَها }، فكان هَمُّه: ( إلهي أنت مَقصودي ورضاك مَطلوبي )، وهِمَّته: ( السعي للإحسان ظاهراً وباطناً )، فلا يلهيه عائد ولا بارِق، ولا يُعِيقه عارض ولا عائق، ولا يقطعه ذنب مارق، ولا إثم حارق "انتهى، وقال:" أصل كلِّ سوء: نِسْيان الله تعالى؛ قال جل جلاله: { نَسُوا الله فَأنْسَاهُم أنفُسَهُم }، ومن ثم قال: { اذكروا اللهَ يذكركم } "انتهى

وقال:" علامة السالكين إلى القمَّة: حمل هموم الأمة؛ ولقد قال نبيِّكم الكريم سيدي رسول الله محمد صلَّى الله عليه وسلم: { لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } "انتهى، وقال:" إنَّ { المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً }، فلا ترخي من رخاك، ولا تُسلم أخاك، واتَّق الله رحمني الله تعالى وإياك "انتهى، وقال:" الجهادُ: علامة التوحيد "انتهى، وقال:" الجهاد: فرض العبيد وتُحفة المُريد "انتهى

وله العديد من الكلمات النورانية التي ننقش ما تيسر لنا منها في الزاوية المخصصة لها إن شاء الله.